نشر السيد / محمد العزب موسى كتابه
وحدة تاريخ مصر
الصادر عن : المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت الصادر عام 1972
ومحتوياته مايلي
مقدمة : المشكلة والمنهج
القسم الأول: استمرارية أم إنقطاع
القسم الثاني: عروبة مصر
القسم الثالث: بين الوطنية والقومية - مصر والأبعاد الثلاثة
وقد اشتريته من معرض القاهرة التاسع للكتاب في 6 فبراير 1976 ، حينما كنت طالباً بالجامعة.
يقول في ص 5
المقدمةالمشكلة والمنهجمصر دائماً هي الفصلُ الأول في كتب التاريخ ، وافتح أي كتابٍ في التاريخ العام للبشرية تجدهُ يفرد صدارته لتاريخ مصر القديمة ، فبعد إلمامة عاجلةٍ بفترة ما قبل التاريخ ينتقلُ الكتابُ فوراً لإلى المسرح الأول للحضارة إلى وادي النيل حيث تعلم الإنسان الزراعة والكتابة والتفكير ووصل في أمدٍ قصير إلى قمة حضارية لاتدانيها قمة أخرى في التاريخ القديم. ومصر كذلك هي القاسم المشترك الأعظم في كل كتب التاريخ.
إلى أن يقول:
وإذا افترضنا جدلاً - حالياً على الأقل أن الشعب الذي يسكن مدن مصر وقراها في القرن العشرين هو امتداد على نحوٍ ما للشعب الذي سكن هذه الديار دون انقطاع منذ فجر التاريخ لكان لنا أن نعتبر هذا الشعب معجزةً حقيقية لم يجد الزمان بمثلها ، ولا نظير لها في سجل البشرية ، فهو أقدم صاحب تاريخ حافلٍ يضرب في أعماق الزمن عدة آلاف من السنين قبل التاريخ المكتوب، ثم واكب سير الحضارة البشرية منذ فجرها الأول حتى العصر الحديث.
ولكن - وهذه إحدى التناقضات الكبرى في مصر - ليس هناك شعبٌ في العالم يجهلُ تاريخه كالشعب المصري أو يقف حياله هذا الموقف المتخبط .
إن كل الشعوب الراقية بما فيها شعوب الدول الاشتراكية التي تتغلب لديها المشاعر الدولية على المشاعر القومية حريصة أشد الحرص على دراسة تاريخها والإحساس به ومعايشتهِ كل يوم، في الصحفِ والمناقشاتِ والمتاحف والفنون.
ثم يقول في ص 7:
أما نحن - أصحاب أقدم وأغرب تاريخٍ في العالمِ ، فننظرُ إلى تاريخنا بخفةٍ وعدم اكتراثٍ لكأن عراقته تغنينا عن مشقة دراستهِ ، وغرابته تكفينا مؤونة فهمهِ .
ومن المؤلم أن عدم المبالاة هذه ليست قاصرةً على رجل الشارع أو ساكن القرية ، بل تجدها أيضاً بين المتعلمين وأحياناً بين صفوف المثقفين، وأخطر من ذلك بين المتخصصين في شؤون التاريخ أنفسهم، كالمسؤولين عن طريقة العرض في المتاحف والمعالم الأثرية !
فهل يمكن أن يكون الشعب المصريُّ رغم أنه صاحب أقدم تاريخٍ ليست له ذاكرة تاريخية ؟
أم أنّ هناك إحساساً غامضاً لدي الشعب بانه ليس صاحب هذا التناريخ الذي يتحدثون عنه، وإنما أصحابهُ هم أولئك الملوك والولاة والأسياد الذين جاؤوا وزالوا وبقي الشعبُ ولكن خارج التاريخ ؟
أم لعلّ هذه الظاهرة إحدى تركات عصور الجهل والظلام والاستعباد التي ما تخلصنا منها إلا بالأمس القريب ؟
أغلب الظن أن السبب الثالث هو الأقرب إلى الصواب فذاكرة الشعب المصري ليست أضعف من ذاكرة غيره من الشعوب، وبالرغم من أنه شعب زراعي أساساً - والمجتمعات الزراعية تعنى بالطبيعة لا التاريخ - إلا أنه لاينسى بسهولة ولاتزال تعيش في وجدانهِ رواسب وذكريات قديمة لاحصر لها تناقلها شفاهةً جيلاً بعد جيلٍ
إلى أن يقول في ص 8:
ويبقى أن يقال باطمئنانٍ أن تلك الظاهرة المؤسفة - وهي عدم الوعي الكافي بتاريخنا - ترجع فحــســب ، أو في المحل الأول إلى عصور الاستبداد والسيطرة الأجنبية التي عانتها مصر في مختلفِ مراحلِ تاريخها، والتي بذل خلالها الطغاةُ والمحتلون أقصى ما يستطيعون من جهدٍ لإذلال الشعب وتجويعه، وطمس ذاكرتهِ وهدمِ شخصيتهِ حتى لا يعودَ يذكرُ شيئاً من أمجادهِ وبالتالي تسهلُ السيطرةُ عليهِ وقيادتهُ.
إلى أن يقول في ص 9:
***
ولكن نظرة المصريين إلى تاريخهم لايزال يشوبها قدر كبير من التخبط، فليست هناك نظرةٌ موحدةٌ واضحةٌ المعالمِ إزاء التاريخِ المصريّ ، بل يبدو أحياناً كأن ليس ثمةَ اتفاق على الخطوط الرئيسية فيهِ.
وهناك مدرستان رئسيتان.. إحداهما تـؤكد فكرةَ استمرارية مصر وتتطرف أحياناً إلى حد الزعم بان مصر الحديثة لاتزال فرعونية جوهراً وأن كل ما طرأ عليها من تغييرات لم يمس سوى القشور.
والثانية تؤيد فكرةَ تنوعِ مصر، وتتطرف أحياناً إلى حد الزعم بأن مصر العربية الإسلامية أو على الأقل مصر الحديثة منبتة الصلة بما قبلها ، وليس هناك بالتالي إطارٌ واحدٌ للتاريخ المصري ، وليست هناك علاقة ما بين المصريين المحدثين والمصريين القدامى الذين هم مجرد أمة بائدةٍ من الوثنيين.
وهذا الخلاف يرجع - في رأيي - إلى ثلاثةِ أسبابٍ محددةٍ:
السبب الأول ، طول التاريخ المصري وتنوعه
والسبب الثاني ، أن التاريخ المصريّ بالرغم مما كتب فيهِ من دراساتٍ لا تحصى بمختلف اللغاتِ لم يدرس بعد دراسةً تحليليةً تشريحيةً تنظر إليه ككل وتحاول أن تبحث في أغوارهِ عن خيطٍ عامٍ يربطُ بن مراحلهِ وأجزائهِ ، بل إن الدراسات التاريخية عن مصر هي في جملتها - وباستثناءات قليلة للغاية - دراسات جزئية تركيبية تهتم بعصرٍ واحدٍ أو حقبةٍ معينةٍ وتغفلُ ما قبل وما بعد بدعوى التخصص الدراسي أو التباين الأساس بين مراحلِ التاريخِ. ومن الاستثناءات القليلة الحديثة التي تخلصت من هذا الأسلوب
" تكوين مصر " لمحمد شقيق غربال ، و " سندباد مصري" للدكتور حسين فوزي ، و " شخصية مصر " للدكتور جمال حمدان ، و " مصر ورسالتها " للدكتور حسين مؤنس ، و "في أصول المسألة المصرية " لــصبحي وحــيــدة
والسبب الثالث هو تصور وجود تعارض بين القومية والتاريخ.. فقـــد تنازعت مصر في مطلع نهضتها الحديثة ثلاث اتجاهات قومية لم تستطع للأسف أن تتعايش فيما بينها بل كان كل منها يرفض أحد زميليهِ أو كليهما بشدة.
وهذه الاتجاهات هي:
الاتجاه الإسلامي الذي كان ينادي بالإرتباط بجامعةٍ الشعوب الإسلامية ، ويجعل العقيدة الدينية محور التوجيه السياسي
والاتجاه الفرعوني الذي يرى أن مصر تختلف بحكم أصلها وظروفها عما يجاورها من الشعوب العربية والاسلامة وبالتالي يحصر نشاطها في مجالها الإقليمي الذي قد يمتد ليعني وحدة وادي النيل.
والإتجاه العربي الذي يركز على أن مصر جزءٌ لايتجزأ من الوطن العربيّ بحكم الأصل واللغة والمصالح والمشاعر والتاريخ وينبغي بالتالي أن تكون القومية العربية محوراً للفكر والسياسة.